إن من أهم الصفات التي اتصفت بها الأمة الإسلام عن سائر الأمم أنها أمة متميزة ومستقلة وهذا التميز وهذه الإستقلالية جاءت في الكتاب والسنة، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110]، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]، وقال ابن كثير: الوسط هو الخيار والأجود.
وأما في السنة الشريفة فقد وردت عدة أحاديث تؤكد على إستقلالية هذه الأمة وتميزها ومن ذلك ما رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب»، والتميز مطلوب حتى باللباس فالمسلم لابد أن يكون ذو مظهر حسن وهذا ما رواه أبو داود والإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصلحوا رحالكم ولباسكم حتى تكونوا في الناس كأنكم شامة فإن الله عز وجل لا يحب الفحش ولا التفحش»، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له شعر فليكرمه».
وبما أن الأسرة المسلمة هي الخلية الأولى في المجتمع المسلم فلا بد أن تكون هذه الصفة ملازمة وملاصقة لها، وإن طلب الواحد منا أن تكون أسرته متميزة عن سائر الأسر ليس أنانية بل هو مطلب شرعي نبه الله سبحانه وتعالى إليه في كتابه الكريم فقال حكاية عن سيدنا زكريا عليه السلام: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا*يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم:5،6]، وقال حكاية على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128]، وقال حكاية عن عباد الرحمن {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، وفي مقام القرب لم ينس إبراهيم عليه السلام ذريته {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124].
إن التميز الأسري ضرورة ملحة ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه التفريعات والإختصاصات وحيث إن كثيرًا من الأسر لا تعرف أي نوع من أنواع التميز، إنما تعيش هكذا دون هدف ودون برمجة لحياتها بل إن الميزة الوحيدة لها تنحصر في أهداف بسيطة جدًّا كنجاح في مدرسة أو الحصول على سيارة وغير ذلك، فإن التميز الذي يطلبه الإسلام هو تميز بالشخصية وبالفكر الوقاد والعمل الجاد والأهداف السامية.
ولا يمكن للمسلمين أن يسترجعوا هيبتهم ومكانتهم بين الأمم إلا إذا إستعادوا التميّز بأقل درجاته، وأقل درجات التميز هي أن يكون الفرد المسلم يقابل بقوته العلمية وتفوقه في مجاله رجلين من الكفار قال الله سبحانه {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66]، فالنسبة في المعركة هي واحد من المسلمين إلى اثنين من المشركين أي 1/2 وهذه الآية محكمة لم يرد فيها ناسخ فهي معمول بها إلى يوم الدين.
فإذا كان هذا الأمر في المعارك الحربية واجب فإنه في المعارك الحياتية أوجب، فالطبيب المسلم لابد أن يكون بطبه بمقدار اثنين من أهل الشرك، والشاعر المسلم لابد أن يكون مقابل اثنين من الشعراء الآخرين، وهكذا وهذه أدنى درجات التميز التي يجب أن نعمل على تربية أسرنا عليها.
إن هناك خطوات عملية لجعل الأسرة متميزة منها:
1= طلب التميز من الله سبحانه: وقد علمنا القرآن ذلك في أكثر من موضع فقال حكاية على لسان زكريا عليه السلام: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]، فطلب من الله أن تكون ذريته طيبة، وقال حكاية على لسان إبراهيم {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100].
2= إطلاق بعض الألقاب على الأولاد: كما كان يفعل النبي عليه السلام، حيث إن لهذه الألقاب دور هام في حياة الإنسان، فهو يحاول دائمًا أن يتصف بهذا اللقب أو ذاك، وهذا ما حصل للحسن رضي الله عنه فقد روى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه: أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن فصعد به على المنبر فقال: «إبني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»، وإطلاق هذا اللقب على الحسن رضي الله عنه لم يذهب سدى بل كان هو سيد الموقف عندما تنازل لمعاوية عن الأمر رضي الله عنهم جميعا.
ولعل من بعض الألقاب التي تؤثر في نفسية الأولاد، صاحب الهمة، أبو المعالي، الحافظ، العفيفة، الثقة، الصدوق... وغير ذلك مما يجعل الأولاد يلتزمون بهذه الصفات ويسعون ليتميزوا بها.
3= الإهتمام بتحويل الأم إلى أم متميزة ورفعها من المستوى الذي تعيشه نساء هذا العصر من تفاهات وترهات.
4= توضيح معايير النجاح والتميز: حيث إن الكثير من الأولاد لا يعرفون معيار النجاح الحقيقي، ومتى يكون المسلم ناجحًا ومتى يكون فاشلاً، وهذا من الأمور الخطيرة التي يجب بيانها، فمثلاً يجب أن يعلم الأولاد أن المعيار الأول للنجاح هو رضا الله سبحانه، وأن كثيرًا من الأمور التي نظنها ناجحة هي بمعيار الرضا الإلهي غير ذلك.
إن السعي إلى التميز ومنه التميز الأسري ضرورة حتمية يمليها علينا واجبنا الإيماني والخلقي لأن كثيرًا من الناس لن يدخلوا الإسلام إذا لم يكن أهله شامة بين الناس في كل المجالات.
الكاتب: م. عبد اللطيف البريجاوي.
المصدر: موقع صيد الفوائد.